” أعمل على ترسيخ معايير الجودة والدقة، وتشجيع الزملاء على الابتكار في تقديم المحتوى.
” أسعى كذلك إلى إتاحة مساحة أكبر للقضايا التى تلامس الواقع”
“. رأيت طاقات شابة تملك شغفًا حقيقيًا، لكنها تفتقر إلى التوجيه والتدريب العملي”
حوار/ رحاب احمد سعد
في نقابة الصحفيين، في هذا الصرح العظيم الذي يعج بالأخبار و الصحفيين، قاعات مليئة بالاجتماعات و اللقاءات، التقيت بالاستاذ احمد شلبي – نائب رئيس تحريرجريدة الجمهورية، في و اثناء اللقاء دارت مناقشة عامة حول عدة قضايا، و كصحفية شغوفة بالكتابة و العمل الصحفي، وجدت انها فرصة عظيمة امامي لاجراء حوار مع هذه الشخصية القيادية المثقلة بالخبرة الحياتية و الصحفية.
يتضمن هذا الحوار تفاصيل العمل الصحفي، و كيف بدأ مسيرته الصحفية، وأهم التحديات التي واجهته، ودوره كنائب رئيس تحرير في توجيه الجيل الجديد من الصحفيين، و كيف يرى مستقبل الصحافة.
في البداية اود ان اشكر سيادتك لتوفير جزء من وقتك الممتليء بالمهام، لاجراء هذا الحوار.
س. حدثنا اولا عن نفسك و عن مسيرتك الصحفية قبل أن تصبح نائب رئيس تحرير؟
ج. بدأت رحلتي الصحفية منذ سنوات طويلة، حينما كنت طالبًا شغوفًا بالكلمة والبحث عن الحقيقة. تدرّجت في العمل من محرر متدرب إلى صحفي متخصص، ثم توليت مسؤوليات تحريرية في أكثر من قسم بالجريدة، بدءًا من الأخبار المحلية، مرورًا بالتحقيقات الصحفية، وانتهاءً بصفحات الرأي. هذا التدرج أتاح لي فهمًا شاملًا لديناميكية العمل داخل غرفة الأخبار، وعلمني أهمية الدقة، والموضوعية، واحترام عقل القارئ. ومن ثم، جاءت ثقة المؤسسة فيّ كنائب لرئيس التحرير، وهو دور أحمله بكل التقدير والالتزام.
س. من المتعارف عليه أن الصحافة هي السلطة الرابعة وصاحبة الجلالة، فهل اختيار سيادتك للمجال الصحفي الهدف منه أن تكون ذو سلطة؟
ج. لم أختر الصحافة بحثًا عن سلطة، بل اخترتها لأنني مؤمن بأن الكلمة يمكن أن تصنع تغييرًا حقيقيًا. منذ صغري، كنت شغوفًا بالكتابة، وأجد في الصحافة وسيلة للتعبير عن قضايا الناس، ونقل صوت من لا صوت له. السلطة الحقيقية في الصحافة ليست في النفوذ، بل في التأثير؛ في أن تكتب كلمة تفتح أعينًا، أو تقريرًا يغيّر واقعًا، أو مقالًا يُحدث جدلًا فكريًا صحيًا. هذه هي “السلطة” التي سعيت إليها.
س. ما هي التحديات التي واجهت سيادتك في بداية العمل الصحفي؟ وهل أفسح لك أحد الطريق إلى الصحافة؟
ج. العمل الصحفي شاق، خاصة في بداياته. من أبرز التحديات كانت صعوبة الوصول إلى المصادر، وإثبات الذات وسط زحام من الأقلام الموهوبة. لم يُفسح لي أحد الطريق، بل شققت طريقي بالاجتهاد، والبحث المستمر، وقراءة تجارب من سبقوني. تعلمت أن الثقة لا تُمنح، بل تُكتسب بالمهنية، والانضباط، والصبر.
س. هل تتذكر أول سبق صحفي قمت به وتأثيره على حياتك المهنية فيما بعد؟
ج. كان أول سبق صحفي لي تحقيقًا عن الفساد الإداري في أحد القطاعات الخدمية، ونُشر في الصفحة الأولى. و أحدث ضجة كبيرة وقتها، وتمت إحالة مسؤولين للتحقيق. هذا الموضوع علّمني أن الصحافة ليست فقط نقلًا للخبر، بل هي مسؤولية حقيقية أمام المجتمع، وعزز ثقة رؤسائي في عملي.
س. ما هي الموضوعات والقضايا التي تهتم بها و تتحمس للقراءة عنها والكتابة فيها؟
ج. أميل إلى القضايا الاجتماعية، وملفات الفساد، وقصص النجاح الملهمة، إضافة إلى التحليلات السياسية من منظور اجتماعي. أرى أن الصحفي الجيد هو من يتقاطع مع اهتمامات الناس اليومية، دون أن يفقد عمق الرؤية والتحليل.
س. كيف تساهم بدورك كنائب رئيس تحرير في تطوير المحتوى الصحفي للجريدة؟
ج. أعمل على ترسيخ معايير الجودة والدقة، وتشجيع الزملاء على الابتكار في تقديم المحتوى. أسعى كذلك إلى إتاحة مساحة أكبر للتحقيقات المعمقة، والموضوعات التي تلامس الواقع، مع إدخال أدوات صحافة البيانات والوسائط المتعددة لتحديث المحتوى بما يتناسب مع العصر الرقمي.
س. تأسست جريدة الجمهورية عام ١٩٥٤، أشرف على تأسيسها احد اعضاء مجلس الثورة و هو محمد انور السادات، لكى تكون صوت الثورة و تعكس افكار و أهداف و إنجازات الثورة. و لكن اليوم، بعد مرور ٧٣ عاما على الثورة، هل ما زال التوجه السياسي لجريدة الجمهورية ناصريًا؟ وهل هناك مساحة من الحرية لاختيار المواضيع؟
ج. الجمهورية، كجريدة قومية، تأسست بالفعل لتعكس أفكار ثورة يوليو١٩٥٢، ولكنها اليوم تُعبر عن الدولة المصرية بمفهومها الواسع، وليس فقط عن فكر أو توجه سياسي معين. نعم، هناك مساحة متزايدة من الحرية، طالما أن الطرح مهني، ومتزن، ولا يخل بأمن المجتمع أو ينشر الشائعات. نحن نفتح الباب لكل فكر موضوعي ومستنير.
س. كيف جاءت فكرة تدريب كوادر جديدة للعمل الصحفي وتبني موهبتهم و تطويرها ؟
ج. جاءت الفكرة من إيماني بأن الصحافة لا تبقى حية إلا بتجديد دمائها. رأيت طاقات شابة تملك شغفًا حقيقيًا، لكنها تفتقر إلى التوجيه والتدريب العملي. فأنشأت برنامجًا تدريبيًا داخل المؤسسة، يجمع بين الجانب الأكاديمي والممارسة الفعلية، ويتيح لهؤلاء الشباب فرصًا حقيقية لإثبات أنفسهم.
س. ما الهدف وراء التدريب؟
ج. الهدف الأساسي هو بناء جيل جديد من الصحفيين المهنيين، القادرين على التعامل مع تحديات المهنة الحديثة، واحترام ضوابطها، والارتقاء بها. كما أن التدريب المستمر هو وسيلة لضمان تطور المؤسسة ذاتها، لأن الصحفي المؤهل يصنع محتوى أكثر تأثيرًا.. رأيت طاقات شابة تملك شغفًا حقيقيًا، لكنها تفتقر إلى التوجيه والتدريب العملي. فأنشأت
س. في ظل التكنولوجيا وتنامي الذكاء الاصطناعي، كيف تفرق بين صحفي الذي يكتب بأسلوبه وآخر يستعين بالذكاء الاصطناعي؟
ج. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُنتج نصًا جيد التركيب، لكن يفتقر إلى الحس الإنساني، واللمسة الشخصية، وزاوية المعالجة الفريدة. يمكن تمييز المحتوى المكتوب بالذكاء الاصطناعي من خلال الأسلوب النمطي، والافتقار للتفاصيل الميدانية، أو التحليل المبني على خبرة حقيقية. الصحفي الجيد يضيف رؤيته، وقراءته، وخلفيته الثقافية للمادة، وهو ما لا يمكن لآلة تقليده تمامًا.
س. كيف ترى مستقبل الصحافة؟ وهل الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة الصحافة، اقصد “الاقلام الصحفية”؟
ج. أرى أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة داعمة للصحفي، لا بديلًا عنه. سيبقى الصحفي الحقيقي هو من يصنع الفارق، بالتحليل العميق، والرؤية، والطرح الإنساني. ولكن على الصحفيين تطوير مهاراتهم الرقمية، والتكيف مع أدوات العصر. لن تختفي الأقلام الصحفية، بل ستتطور، كما تطورت أدوات النشر عبر الزمن.
س. ما الذي لم تحققه بعد ككاتب وصحفي مرموق وتطمح أن تحققه مستقبلًا؟
رغم ما حققته، ما زلت أطمح لتأسيس مركز متكامل لتدريب الصحفيين في مصر، يقدم محتوى تدريبيًا بمستوى دولي، ويواكب المتغيرات المتسارعة في الإعلام الرقمي. كما أطمح لتأليف كتاب يجمع خلاصة تجربتي الصحفية، ليكون دليلًا عمليًا للأجيال القادمة.
في نهاية هذا الحوار الممتع البناء، نشكر سيادتك مرة أخرى لاتاحة الوقت و الجهد لاجراء هذا الحديث، و إتاحة الفرصة لي و لغيري من المتدربين للتعلم كيف تكون “الصحافة”، و الاستفادة من علمك و خبرتك و فكرك المستنير.
نتمنى لكم التوفيق و تحقيق المزيد من النجاحات، و ننتظر بكل شغف خروج هذا المركز و الكتاب الى النور، حتى نكتسب مزيد من المهارات و المعرفة و نستقي معلومات أكثر من تجاربكم الصحفية و العملية التي هي مرجع لنا في مشوارنا الصحفي.
معاق برس حقوق لا عطايا