كتبت/ رحاب احمد سعد
شهدت مصر حدثا تاريخيا فريدا، حيث قامت القيادة السياسية بافتتاح المتحف المصري الكبير ، بمشاركة “٧٩” وفدا رسميا يضم ملوك و رؤساء و أمراء و منظمات دولية و ثقافية عديدة ، مما وصف بأنه حضور غير مسبوق و ردود افعال دولية ممزوجة بالاشادة و الانبهار بحفل الافتتاح و ضخامة المعروضات و عظمة التصمييم المعماري، كما وصف السياح و الحضور المتحف بأنه أعظم ما شاهدوه في حياتهم، اكدوا على مكانة مصر كمركز ثقافي عالمي. فقد دمج المتحف بين روح الحضارة و العراقة و روح التكنولوجيا و الحداثة في اسلوب عرض القطع الأثرية. كما أشاد الحضور بكلمة الرئيس السيسي الذي أكد فيها على أن المتحف يمثل “فصلاً جديدًا في التاريخ”، وأكد على أن المتحف ليس مجرد مكان لحفظ الآثار بل هو شهادة على عبقرية الحضارة المصرية.
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور فاروق حسني في عام ١٩٩٢، و منذ هذا العام بدأت دراسة الجدوى في ايطاليا بتكلفة ٥ مليون دولار و استغرقت نحو ٤ سنوات.
يعتبر المتحف المصري الكبير هو أكبر متحف للآثار المصرية القديمة في العالم. يقع على بعد أميال قليلة من غرب القاهرة و تطل واجهته مباشرة على اهرامات الجيزة . و يحتوي المتحف على أكثر من ١٠٠ الف قطعة أثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية، بالإضافة إلى مباني للخدمات التجارية والترفيهية ومركز ترميم وحديقة متحفية، وتم تصميمه ليستوعب ٥ مليون زائر سنويًا. كما يضم المتحف المسلة المعلّقة الفريدة من نوعها في العالم، والبهو العظيم، والدرج العظيم، و١٢ قاعة عرض غاية في الروعة.
اطلقت مصر حملة دولية لتمويل مشروع بناء المتحف، كان أبرز مساهميها وكالة جايكا اليابانية بقروض ميسرة. يعد المتحف وجهة سياحية رئيسية من اجل تنمية السياحة في مصر.
شهدت ردود افعال المصريين تجاه الحفل ارتباك كبير، فتباينت بين الانبهار بالإنجاز الحضاري و الزخم الوطني و الازياء و الموسيقى، وبين االاحباط بسبب ضعف الإخراج التليفزيوني و المونتاج لبعض فعاليات الحفل، مثل خلل في السرد و عدم وضوح صوت المتحدث، بالاضافة الى اضطراب الرؤية الإخراجية.
زاد من هذا الارتباك و تباين المشاعر، قام مشاهدي البث التليفزيوني بعقد مقارنة بين مستوى حفل المومياوات الملكية الذي حدث منذ حوالي أربعة سنوات، و بين حفل افتتاح المتحف. بالاضافة الى أن التسويق لهذا الحدث المهيب عبر الشاشات و الدعاية الرسمية التي سبقت الحفل، ذهبت بسقف التوقعات الى عنان السماء، جعل الجميع يتوقع ان الأمسية سوف تتفوق على اي حدث في مصر، ومن ثم حدث التخبط في المشاعر بعد أن جاء المشهد اقل بكثير من توقعات المصريين. اصبح الامر بالنسبة لكثير من المصريين يحتاج مزيد من الدقة و الاهتمام و رؤية واضحة موحدة. فقد كان الحفل جيدا و لكنه ليس اسطوريا.
يرى فريق آخر انه لا يجب الانتقاص من عظمة الحدث و الغناء الاوبرالي و الطابع الغربي الذى غلب على الحفل لانه موجه للجمهور العالمي فلابد من مخاطبتهم بلغة قريبة لهم. كما اشادوا ايضا بأزياء المشاركين والمشاركات، التي حملت طابعاً فرعونيا موحداً. كذلك المزج السيمفوني الذي اشترك فيه عازفون من اليابان وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة، رغم اختلاف جنسياتهم، لكن جميع الفرق ارتدت زيا موحدا، كل منها يعزف في أشهر معلَم ببلاده، رغم تنوع المصممين لكن الجميع كان منسجماً، كذلك اللقطات ذكية مبهرة عند استعراض المسلات المصرية الموجودة في ميادين العالم. رغم ان اللقطات مبهرة و لكن في بعض الأحيان كان التنويه للمكان يجري في توقيت غير مناسب و بعضها الاخر لم تكتب أسماء المعالم به من الاصل. بالاضافة الى انه لم يكن واضحا للمشاهد هل العازفون كانوا يعزفون بصورة حية بمصاحبة الفرق المصرية تحت سفح الأهرام في اللحظة نفسها، أم أن فقرات الفرق العالمية كانت مسجلة سلفاً، وبالمصادفة جرى الكشف عن أن الفقرات جرى تسجيلها بالفعل في وقت سابق وذلك من خلال منشور لإحدى المشاركات على “إنستغرام”.
على الرغم من عظمة الحدث و التكاليف التي تكلفها الحفل لكي يظهر في ابهى صوره، الا ان انتقص من الصورة المبهرة، بعض الرتوش الهامة التي تضيف المزيد من البريق الى تلك الصورة، إذ يفتقر الحدث إلى سرد تاريخي يسلط الضوء على اهم الاحداث مستلهما ذلك من قاعات العرض المختلفة التي توجد داخل المتحف، كذلك كان يجب ان يختتم الحفل ببيان صحفي موحد يذكر أهم التفاصيل، مع توحيد جهة التواصل الإعلامي، بدلا من تشتيت المشاهد بالحصول على معلومات من هنا تارة و من هناك تارة اخرى. بالاضافة الى ان الحفل انتهى بصورة مفاجئة من دون الحرص على أن يكون ختامه لائقاً أو حتى واضحاً، فلم يدر غالب مشاهدي التلفزيون أن الحدث وصل إلى آخره لغياب التمهيد.
هناك ايضا انتقادات واسعة على السوشيال ميديا، بعض المشاركين في تقديم لم ينالوا استحسان بعض الناس. كما استاذ البعض وجود رجل الأعمال أحمد عز رئيس مجموعة شركلت عز الصناعية و المهندس هشام طلعت مصطفى رئيس مجموعة طلعت مصطفى، باعتبارهم كانوا يتبعون النظام البائد. كما طال الحفل انتقادات لاذعة بسبب مظاهر البذخ المبالغ فيها ، و يرون انها كانت مبالغًا فيها، في ظل تردي الأوضاع المعيشة و تردي الحالة الاقتصادية.
و لكن كل هذه الانتقادات، ما هي الا حملة شرسة ممنهجة ضد مصر تستهدف التقليل من شأنه هذا الإنجاز. انه يجب على كل مصري أصيل، ان يشعر بالفخر انه مصري، و ان هذا الحدث الاستثنائي الفريد العالمي يضع مصر مجددًا في صدارة المشهد الثقافي والحضاري الدولي. كما يجسد فلسفة الدولة في تحويل التاريخ إلى طاقة حاضرة تلهم الأجيال وتخدم المستقبل.
أما هؤلاء الذين يتحدثون عن البذخ و التكاليف الباهظة التى اولى بها شعب يعاني من صعوبة المعيشة، فنسوا او تناسوا ان هذا المشروع الضخم سوف يعود على البلد بازدهار الاقتصاد و زيادة فرص العمل و احياء الحرف اليدوية، و فوق ذلك كله تنشيط السياحة . يؤكد خبراء الاقتصاد والمصرفيون ورجال الاعمال، أن المتحف المصري الكبير مشروع اقتصادي متكامل يفتح أبواب التنمية السياحية والاستثمارية على مصراعيها، مشيرين إلى أنه استثمار حضاري يعيد رسم الخريطة الاقتصادية والسياحية لمصر،ووصفوه بأنه “الهرم الرابع”، ونقطة انطلاق لعصر جديد من الاستثمار الثقافي والسياحي.
اما عن مشاركة رجال الأعمال أحمد و هشام طلعت مصطفى، فهذا طبيعي لأنهم من ضمن مجموعة المساهمين و الرعاة للحفل ، و فوق كل هذا فهم مواطنين مصريين و لهم حقوق التواجد في الحياة العامة.
إنتبهوا ايها السادة، الجميع يلهث ليثبت أنه الأقدم.. لكن الحقيقة أن من مصر بدأ التاريخ، والجميع ينقب ليقول إن لديه مقتنيات اثرية، ولكن آثارنا تثبت أن المعنى الحقيقي للفن والحضارة.
حفل افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى، بل هو رسالة حضارية من مصر إلى العالم، ان حضارتنا هي الأقدم و الاعرق في تاريخ البشرية، و أن حضارتنا خالدة لا تزال حية تنبض في كل حجرٍ، فهو يجسد عظمة الماضي وروح الحاضر، ويعد رمزا للفخر والانتماء. مهما انتقدنا الحاقدون و مهما هاجمنا الكارهون، فسوف تظل مصر دائما أرض الحضارة والتاريخ والإبداع الإنساني.
تحيا مصر … تحيا مصر … تحيا مصر
معاق برس حقوق لا عطايا