تألمتُ كثيرًا لنبأ وفاة المذيعة المحترمة ميرفت سلامة؛ ليس فقط لأنها اسم كبير في تاريخ الإعلام المصري، ولكن لأنها تمثل في وجداني مفتاحًا لذاكرة كاملة… ذاكرة زمنٍ جميل انتهى، بكل برامجه ورموزه وقيمه.
زمنٌ كانت فيه الشاشة نافذة للمعرفة، وصوتًا للثقافة، ومدرسةً للتربية الرفيعة، قبل أن تكون وسيلة ترفيه.
ميرفت سلامة… سيدة من زمن لا يتكرر
لا يعرف الكثير من أبناء الجيل الحالي من هي ميرفت سلامة؛ هذه المذيعة التي حملت من الرقي بقدر ما حملت من الثقافة.
درست في المعهد العالي للفنون المسرحية – قسم النقد والدراما، وتعلمت العزف على البيانو على أيدي موسيقيين أجانب متخصصين. جاءت من أسرة موسيقية أصيلة؛ فوالدها كان عازفًا في الأوركسترا السيمفوني، وأخواها هما الموسيقاران جمال سلامة وفاروق سلامة. أما زوجها فهو الكاتب الكبير فؤاد فهيم.
بدأت رحلتها في الإذاعة عامًا كاملًا مع المخرج مصطفى أبو حطب، قبل أن تتألق في التلفزيون من خلال برامج الأطفال مثل المسرح الصغير، حواديت، ثم قدمت أفكارًا مبتكرة لبرامج مثل فاكس، مسافة، علامة. واستضافت نخبة من أهم العقول العربية، من بينهم جمال حمدان وأنيس منصور.
وعشقها للمسرح دفعها لتقديم برنامجها الجميل تياترو، لتثبت أنها وجه إعلامي مختلف، يحمل فكرًا وثقافة وقيمة.
شغلت ميرفت سلامة مناصب قيادية مهمة، من بينها رئاسة القناة الفضائية المصرية، ثم نائب رئيس التلفزيون. لكنها، قبل المناصب كلها، كانت رمزًا لزمن إعلامي يحترم عقل المشاهد وذائقته.
جيلٌ لا يُعوَّض
أعتبر نفسي من المحظوظين لأني أنتمي إلى ذلك الجيل الذي عرف شاشةً صنعت الوعي، واحتضنت مذيعين ومذيعات لا يعوضهم الزمن.
جيلٌ خرجت منه أسماء كبرى:
فريال صالح، سوزان حسن، نجوى إبراهيم، حمدية حمدي، سمير صبري، طارق حبيب، د. محمود، حامد جوهر، د. مصطفى محمود، جانيت فرج، سهير شلبي، سلمى الشماع، هند محمود، أحمد سمير، محمود سلطان، هند أبو السعود، درية شرف الدين… وغيرهم كثير ممن حملوا رسالة إعلام حقيقي.
نشأنا على برامج أثْرت عقولنا وزادتنا شغفًا بالمعرفة:
عالم الحيوان، عالم البحار، 5 سياحة، جولة الكاميرا، العلم والإيمان…
وعلى أعمال فنية وبرامج منوعة كانت ترفيهية، نعم… لكنها راقية وتخلو من الابتذال:
خلف الأسوار، تاكسي السهرة، زووم، النادي الدولي، نادي السينما، كلام من ذهب، اخترنا لك، العالم يغني، 10 على 10، 2 عالهوا، ماما نجوى… وغيرها.
على الرغم من أن التلفزيون وقتها لم يتجاوز خمس قنوات فقط، إلا أن ثرائه المعرفي والثقافي كان أكبر من أن يُقارن بما نراه اليوم.
هل يعود الإعلام يومًا كما كان؟
هذه الذكريات لا تزال تنبض في أعماق عقلي وقلبي، تاركة إرثًا ثقافيًا ضخمًا أثّر في جيل كامل.
ومع كل هذا الحنين، أتساءل:
هل يمكن أن يعود الإعلام يومًا مصفّىً من كل ما علق به من ضوضاء وتشويش؟
هل يمكن أن تصبح القنوات بوابات للمعرفة والفن الراقي، تجمع بين الثقافة والمتعة دون إفراط أو ابتذال؟
هل يمكن أن تُصفّى آلاف الفضائيات، أو تصبح متاحة من خلال اشتراك أو جهاز استقبال خاص، بحيث لا يبقى إلا الجيد والمفيد؟
لا أعلم… لكنني أتمنى.
وربما يكون هذا التمني هو ما يبقي الأمل حيًا في نفوسنا—أمل أن يعود الإعلام ليكون في خدمة العقل والذوق، كما كان يومًا.
معاق برس حقوق لا عطايا