أخبار عاجلة

مصر بين أنياب التطرّف… وغياب ما يعيد الروح

 

بقلم: أحمد شلبى .

لم أعد أحتمل هذا الخنق اليومي لحياة المصريين، وكأن شيئاً غريباً، متوحشاً، زاحفاً، تمدّد فوق صدورنا فأفقدنا القدرة على التنفّس. ما نعيشه اليوم ليس تديناً، ولا أخلاقاً، ولا حتى مظاهر اجتماعية بريئة، بل هو مدٌّ فاشيّ متطرّف ارتدى عباءة الدين ليعيد تشكيل مصر على هيئة لا تشبهها، ولا تمتّ لتاريخهاوثقافتها وفنونها بأي صلة.

لقد تحوّلت بعض الفتاوى المجهولة، والخطب الصوتية الجوفاء، والوجوه العابسة التي تُصدر أحكامها على الناس ليل نهار، إلى ما يشبه “سلطة ظلّ” تفرض وصايتها على المجتمع، وتُحاصر الجمال، وتُهلِك الحسّ الفنى، وتُطفئ كل ضوء يمكن أن يخرج من المسرح أو السينما أو الجامعة أو حتى من قلب امرأة تريد أن تكون نفسها.

مصر التى أنجبت أم كلثوم وطه حسين وسيد درويش ونجيب محفوظ… كيف تُختَزل اليوم فى شعارات فارغة لا علاقة لها بروح هذا البلد؟

إن أخطر ما أنتجه هذا المناخ ليس المظهرى من التديّن وحده، بل انهيار المعايير الأخلاقية خلف تلك الواجهات اللامعة. صار الغش ذكاء، والكذب مهارة، والنفاق “حكمة اجتماعية”، وتحوّلت المرأة – فى خطاب هؤلاء – إلى “سلعة” تُقاس بكمية القماش فوق جسدها لا بقدرتها وعقلها وإبداعها.

أمّا الأنوثة التى كانت جزءاً من جمال الشخصية المصرية، فتم اغتيالها باسم فضيلة لا يعرف أصحابها شيئاً عن الفضيلة. مدارس بلا تربية، وبيوت بلا حُب، ومجتمع مهدّد بأن يفقد حساسيته تجاه الفن، وتجاه النساء، وتجاه الحياة نفسها.

هذا ليس ديناً، وليس وعياً، وليس تقدماً، بل ردّة اجتماعية مكتملة الأركان جعلت مصر ــ بتاريخها وثِقلها ــ تبدو وكأنها تُدفَع قسراً نحو نموذج مريض يُعاد إنتاجه على طريقة “قندهار”، حيث لا موسيقى، ولا ابتسامة، ولا ألوان، ولا نساء، ولا حياة.

لقد آن الأوان أن نقول كفى.
كفى تديّناً زائفاً يُخرِب الضمير ولا يبنيه.
كفى مصادرة للجمال والفرح والفن.
كفى استسلاماً لخطاب استعلائي يكره كل ما يذكّره بأن البشر وُجدوا ليعيشوا… لا ليُعاقَبوا.

إن مصر لا تستحق هذا القبح.
ولا يليق بها هذا الخوف.
ولا يمكن أن تُترك لمستقبل لا يشبهها.

مصر تحتاج اليوم إلى فن يعيد الروح، وثقافة تُحرّر العقل، وتعليم يعيد للإنسان قيمته.
هذا هو الطريق الوحيد للخلاص من هذا الظلام الذى تمدّد فى غفلة منا جميعاً.

تعليقات فيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *