أخبار عاجلة

الرفق بالحيوان فى عصر التغير المناخى..!

كتب – علي الفاتح

عندما تسود ثقافة الرفق بالحيوان والاعتراف بحقوقه البديهية، فإن ذلك يعنى مباشرةً إيمان المجتمع بقيم الحضارة الإنسانية وفى القلب منها التسامح وقبول الآخر التى يمثل العطف الإنسانى والرحمة جوهرها.
البرد القارس الذى بات واقعًا بحكم التغيرات المناخية مناسبة هذا الحديث، وإن كنت أعلم أن كثيرين قد يسخرون لأننا لم ننته بعد من حديثنا الممتد عن حقوق الإنسان لاسيما الفقير والضعيف.
غير أن المسألة عزيزى القارىء واحدة، فمن لم يعطف على الحيوان ويفكر فى أمره ثق تمامًا أنه لن يفكر فى جاره الفقير.
بمعنى آخر وأكثر عمقًا، من الصعب أن نكون بصدد مجتمع متحضر يؤمن أفراده بحقوق الإنسان ويحرصون على اتخاذها نهجًا فى سلوكهم اليومى تجاه بعضهم البعض، بينما تتكرر مشاهد سادية تتسم بالوحشية ضد شركائنا على ظهر هذا الكوكب، وبالطبع فى جغرافيا وطننا الحبيب.
هل تعتقد مثلًا أن الموظف الذى يأمر بقتل الكلاب إما بالرصاص أو بالطعام المسموم سيعاملك وفق مقتضيات القانون إذا انتقل إلى العمل فى هيئة أو جهة خاصة بمصالح المواطنين؟!.
هل تعتقد أن هذا الشاب أو الرجل الذى يتلذذ بتعذيب الكلاب بالضرب، أو بدخول كلبه المستورد القوى فى صراع دامى مع كلاب الشارع سوف يلتزم فى معاملتك بقيم حقوق الإنسان فى أى مجال؟!
ألا ترى معى أن الطفل الذى اعتاد مشاهد الكلاب النافقة بسبب السم انه سيكون فريسة سهلة لكل من يحاول غسل عقله ووجدانه بأفكار عنيفة ومتطرفة تصنع منه إرهابيًا فى المستقبل؟!
من المفارقات العجيبة فى مجتمعنا المتدين بالفطرة افتخاره الدائم بأن رسولنا الكريم نبى الرحمة حتى أنه أخبرنا أن رجلًا كثرت ذنوبه دخل الجنة لأنه نزل بئر ليملأ خفه بالماء لأجل كلب كاد الظمأ يقتله؛ وأن إمرأة دخلت النار لأنها عذبت هرة (قطة).
بينما نحن نفتخر بهذا الإرث النبوى المتحضر، نسارع إلى مطالبة السلطات بقتل الكلاب الضالة لمجرد أن نباحها يسبب لنا بعض الإزعاج.
قبل عامين تقريبًا انزعج سكان منطقة التجمع من وجود بعض الكلاب المتجولة فى شوارعهم، وعندما تم تسميمها جميعًا بقلوب تملأها الغلظة، عاد نفس السكان يطلقون الإستغاثات من هجمات العقارب والثعابين والتريشة وهذه الأخيرة أخطر أنواع الزواحف السامة، فإنقاذ الإنسان المصاب بلدغة التريشة لابد وأن يتم خلال بضع دقائق وإلا كان الحل الوحيد البتر بقياس شبر من مكان اللدغة.
حينها أخبرنا علماء الحيوان والبيئة أن الكلاب ليست عدوًا مباشرًا لهذه الزواحف القاتلة لكن الأخيرة تخشاها ولا تقترب من التجمعات السكانية إذا شعرت بوجودها.
حتى فى منطقة مثل وسط البلد فى القاهرة لا تخلو بناياتها القديمة من الثعابين التى قد يظهر بعضها فى أيام الحر الشديد، ولولا الكلاب والقطط لما استطاع سكان وسط البلد العيش بأمان.
من باب المصلحة والبرجماتية البحتة علينا إدراك أن هذه الحيوانات شركاء حقيقيين لنا فى الحفاظ على التوازن البيئى ومن ثم الحفاظ على حياتنا وسلامتنا الشخصية وسلامة أطفالنا.
وبنفس المنطق البرجماتى النفعى فان الرفق والرحمة بالحيوان يهذب نفوس أبنائنا ويرقق قلوبهم ويجعل الرحمة والعطف ثمة رئيسة فى سلوكهم مع بنى البشر قبل بنى الحيوان ويجعلهم يستوعبون ببساطة مبدأ أو قيمة قبول الآخر.
وبالمفهوم العكسى ان عدم قبولنا بوجود الكلاب والقطط إلى الجوار من منازلنا وأحيائنا يعزز ثقافة رفض الآخر المختلف عنا فى الجنس والدين واللون والعقيدة والفكر، وقد نربى أبنائنا بغير قصد أو وعى على هذه القيم السلبية عندما يروننا نعامل شركائنا فى الكوكب على هذا النحو القاسى والمتوحش أحيانًا.
كما أننا كبشر فوجئنا بهذا الطقس شديد البرودة لأن أجسادنا لم تعتده من قبل، كذلك الحال بالنسبة لهذه الحيوانات؛ ولأننا لم نصل بعد إلى دولة الوفرة الاقتصادية؛ فثمة حلول وأفكار قد تجعلنا نستبعد حلول الإبادة لحين وصولنا إلى تلك المرحلة وفى ذات الوقت من شأنها تعزيز ثقافة الرحمة والتسامح وقبول الآخر لدى أطفالنا.
باختصار شديد، بعض المجتمعات والدول عملت على تخصيص أماكن تتجمع فيها الكلاب والقطط فى أوقات الحر الشديد أو البرد القارس والأمطار الغزيرة، ونستطيع فى مصرنا الحبيبة أن نلجأ إلى ذات الحل بطرق وأساليب تجعل من الأطفال قبل الكبار شركاء فى تنفيذه.
مثلًا.. لماذا لا تعمل وزارة البيئة بالتنسيق مع وزارات التنمية المحلية والصحة والزراعة والتعليم ومؤسسات المجتمع المدنى باختلاف أنشطتها وفى القلب منها جمعيات الرفق بالحيوان، على وضع تصور لإقامة هذه الملاجئ فى كل شارع أو منطقة على أن يتم ذلك عبر تبرعات السكان ومشاركاتهم التطوعية لتوفير الخدمات البيطرية والطعام والأجور الإضافة للذين سيعملون على مباشرة نظافة هذه الأماكن على أن يشارك السكان كأباء وأمهات وأطفال فى كل حى بالإشراف المشترك مع موظفى الحى على هذه العملية والقيام ببعض المهام البسيطة من جانب الأطفال وتفاديًا لأن تكون تلك الملاجئ بيئة لتناسل أعداد الكلاب والقطط بشكل كبير تقوم الوحدات البيطرية المختصة بإجراء عمليات إخصاء أو تعقيم لبعض الذكور والإناث لكن على نحو لا يؤدى فى نهاية الأمر إلى فنائها.
تصور كهذا يحتاج برامج توعية تشترك فيها وزارة التعليم من خلال المدارس بالإضافة لوسائل الإعلام.
هناك مصريون كثيرون يملكون هذه النزعة الإنسانية وأتصور أنهم لن يتأخروا عن دعوة حقيقية وجادة للتبرع والتطوع من أجل إنجاح مشروع كهذا فى كل مراحله خاصة إذا وجدوا أنفسهم شركاء فى عملية الإشراف على إنفاق ما سيدفعه المواطنون من تبرعات لأن ذلك سيعزز المصداقية والثقة.
لابد وأن الباحثين  والمختصين فى مراكز الأبحاث والجامعات والجهات الحكومية المختلفة يملكون أفكارًا أخرى قد تكون أكثر تطورًا وفاعلية لكن المهم أن نلتفت كمجتمع لمسألة كهذه لأن ذلك يساعد فى عملية ترسيخ وتعزيز إيماننا كأفراد وجماعات بقيم حقوق الإنسان، وترجمة قيمنا الدينية المتحضرة على نحو يجعل منها جزء من سلوكنا التلقائى ويجعل أبنائنا أكثر انفتاحا وتفاعلا مع القيم والأفكار الدينية التى تدعو إلى التسامح والتعاون والرحمة وأكثر استعدادًا لرفض كل خطاب دينى يدعو لتكفير الآخر ورفضه ومحاربته بإرهاب الفكر وإرهاب الرصاص.

تعليقات فيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *